الرسالة الآلفان و مائة و ستة و سبعون


أذكر جيدا يوم إلتقينا لأول مرة ..
أذكر تلك النظرات في مقلتيك و أذكر حتى أنك تعثرت في طريقك إلي و أذكر أنك ذوبتني من أول كلمتين .
أذكر أيضا يوم إفترقنا و كيف رحلت ذات صباح دون ترك رسالة أو حتى كلمة ..
إستفقت من كابوس و لم أجدك ، فصارت حياتي كلها كابوسا .
فتحت عينيا و لم أجد زهور الأقحوان البيضاء التي تعودت أن تجلبها لي كل يوم و تضعها فوق وسادتك.
أنت تعرف أنه لم يكن للحرب من سبب و لم يكن لرحيلك من داع ..
و لكنك رحلت ، مثل أصدقائك و زملائك ، منساقين وراء وهم و متتبعين قادة كاذبين .
ضحيت بي و بعائلتنا من أجل القتل و الثأر . لقد حقنوا قلبك كرها و أطعموا بطنك الخاوية عنفا و مقتا .
" طفولي و مندفع"!
مندفع كما عهدتك و كما عشقتك و لكن لم أتوقع أن يأتي يوم تتركني فيه أموت في صمت الورود الذابلة و بكاء الطير الشقي.
أتعرف أنني صرت أحدث الجدران عنك و أمسح الغبار عن صورك الحائطية_ أداعب وجهك و أنظر في عينيك ؟؟
أتعرف أنني كتبتك كل يوم؟؟
أكتب لك رسالة كل يوم أرش عليها عطري حتى لا تنساني و أنثر عليها كلماتي و أحزاني حتى أفكرك حبنا..
و لكن أظن أن رسائلي لم تصلك فأنت لم تجب و لو حتى مرة ..
ﻻ يهم فأنا وعدت نفسي أنني سأكتب كل يوم حتى تعود و تجلب لي زهور الأقحوان و تركض معي في الحقول أنا و الأطفال..
طفلينا العزيزين! لقد كبرا جدا منذ رحلت ..
صارا يدرسان و يكتبان و يذهبان إلى المدرسة .
قالا لي أن المنزل صار قفصا و هما يريدان التحليق. أفعل كل ما بوسعي لأعطيهما حريتهما و أحميهم في نفس الوقت.. لا أتركهما كثيرا بمفردهما فأنت تعرف الأوضاع الأمنية الراهنة ..
أراك فيهما و أرى إبتسامتك على ثغريهما.
هما قطعتان مني و منك . كلما يكبران يكبر حبي لك .
دوما ما يسألانني عنك فأخبرهم أنك ذهبت إلى بلد خيالي تجلب لنا ملابسا و لعبا و أقحوانا و أنك لن تضيع في طريق العودة لأن قلبك يعرف خارطة الحب التي ستقودك إلينا.
آه يا ليتك تعود و تضمنا تحت جناحك مثل الأيام الخوالي !! يا ليتك تترك الأمل و النور يتخللان الى قلبك المصدع بالكره.. يا ليتك تسمع مني حرفا!
أتاني رجل يلبس بذلة عسكرية هذا الصباح،ظننت أنه يحمل رسالة منك و لكنه أخبرني أنك لقيت حدفك في معركة على الحدود .
لم أصدقه طبعا !!
شكرته و أحكمت إغلاق الباب بعده و من ثم جلست على مكتبي و شرعت في كتابة رسالتي اليومية ..
أحبك و أعاتبك و أشتاق إليك و أموت صبابة و لوعة ..
ها هي الرسالة الآلفان و مائة و ستة و سبعون ..
أنا على يقين أن هذه الرسالة ستصلك و أنك ستجيب أينما كنت على وجه الأرض لأني أؤمن أنك مازلت تحبني و لأنك وعدتني أنك ستظل دائما معي 
.



Commentaires