أنا أكتب اذن أنا موجود
أظن أنه أن تكتب يعني أن تخاطر بعدة أشياء :
تخاطر بسمعتك ، تخاطر بأسرارك، حياتك، نقاط ضعفك .. تخاطر بكل شيء ما عدى جانبك الإنساني الذي يتجلى حتى في الفاصل و النقطة .
الكتابة هي من أكثر الفنون التي تتطلب شجاعة . ليس لأن بقية الفنون أقل أهمية أو أقل معنا _ فالفن في جميع أشكاله هي مشاعر طاهرة و قصص لم تكن لتوجد لو لم نعبر عنها بالرسم أو الكتابة أو المسرح أو أي شكل آخر من الفن و الابداع.
الكتابة هي للشجعان الواثقين من نفسهم فقط ، لأن القراءة متاحة لأكثر عدد ممكن من الجماهير و ليست كل الجماهير مثقفة .
فالرسام مثلا يرسم رموزا و صورا ، يتجرد من الملموس و يعود للواقع ما إن يزيل عن يديه آثار الالوان المائية و بذلك لا يستطيع أحد أن يتهمه بأنه يرسم واقعه .
العازف يغمض عينيه اذا امسك قيثارته او اذا داعبت أنامله البيانو فسافر في مخيلته إلى عالم أخر و قابل أناسا آخرين و كتب بالألحان حاضرا و ماض لم تفقه عقول الذين جاءوا يستمعون اليه دون الإصغاء _ فبقيت قصته سرا لم يدركه إلا القليل ممن حضروا العرض، أما البقية فوضعوا أغنية Armasta في طريق العودة الى المنزل .
الممثل فوق خشبة المسرح يؤدي دورا كتبه شخص آخر و هو حفظه و لما يسدل الستار لا يبقى لتلك الشخصية أثر .
الرقص و التعبير الجسماني في نظر المتفرج ليست إلا ترنحات جسد مغري ، فتراهم يتفحصون الجسد و لا يهتمون بملامح الذي يرقص _ و الراقص يدرك ذلك فتراه تارة يبكي و تارة يتألم _ و لكن لا أحد يلاحظ وجهه .
أما الكتابة هي إبداع ككل الفنون و تألق في مجتمع واع و لكنها إستشهاد في مجتمع غير مثقف ..
فالنصوص خالدة و كل حرف تنقشه لا تستطيع محوه فيما بعد.
فالكثير ممن يقرؤون_مثل الذين يتفرجون في بقية الفنون_ لا يعرفون إلا المرور على السطور دون الغوص في المعاني .
يقرؤون الجمل دون فهم الكلمات ، فتراهم ينظرون الى الكلمات و لا يصغون الى لحن العبارات، فلا قلبهم يحس بوقعها و لا ذهنم يحل شفرة الحروف و لا بصيرتهم تدرك الرسالة التي أراد الكاتب إرسالها ..
الكتابة سلاح فتاك ، و الكلمات أقوى من الرصاص .
كل ما تكتبه اليوم يستعمل ضدك غدا :
ذكرت كلمة السكيزوفرينيا في نصوص فظنوا أنني مصابة بإنفصام في الشخصية .
قلت أنني سمعت أصواتا توبخني أو أنني أتحدث مع نفسي فقالوا عني في حالة هذيان .
كتبت عن تقلب المزاج و عن الأرق و الأمراض النفسية فجاء أحدهم يقول لي " لقد قرأت في مقال ما أن ممارسة الجنس مع إمرأة تعاني من تقلبات المزاج هو أمر رائع، فما رأيك أن تقضي الليلة معي؟ "
كتبت عن إمرأة أدمنت الكحول و الكوكايين و حاولت الإنتحار فظن الكثير أنني أعاني من إدمان ما و ظن أخرون أنني إنتحارية فتراهم أحيانا يسألوني " ماذا تستهلكين لتكوني دائما ضحوكة " و أحيانا ينظرون الى معصمي بحثا عن أثر جروح .
كتبت نصا عن اللذة بعد الانتقام و عن التلاعب بمشاعر الناس فإتهموني بالتسلط و الغطرسة و التعسف .
كتبت عن الرجال فقالوا معقدة يائسة تتشرط و تطلب المستحيل و تريد رجلا مثاليا .
كتبت عن النساء و تفاهتهن فقالت إحداهن أنني أغار منها لأنها رشيقة القامة و خطيبها يحبها أما أنا فعانس أعاني من بعض الكيلوغرامات الزائدة .
كتبت عن العذرية و عن الجنس فسألني أحدهم إن كنت أمارس الدعارة سرا .
كتبت عن الحياة بعد الموت و عن عالم مواز و عن الالهة الإغريقية فقالوا أنني ملحدة .
كلما كتبت نصا و أنا أجلس بجانب شخص ظن أن أنني كتبته عنه و كلما قمت بتصرف لا يتماشى مع شخصية كتبت عنها ظنوا أنني كاذبة منافقة .
الكتابة علمتني الصمود و عدم الإهتمام برأي الآخرين _ما عدى النقد البناء..
علمتني الشجاعة و علمتني أن أكتب عن نفسي و عن غيري و أكتب لنفسي و لغيري ، من فهمني و حتى من سخر مني فها أنا أقصفه بوابل من الكلمات لعلها تصيبه في روحه فتحييها .
أنا أكتب لأعبر و ليس لأفسر.
أعبر لأستمر في الوجود و لكي أخلق و أبدع و لكي أترك أثرا في كل بصيرة فقهت كلامي ..
أما من إكتفى بقراءة صفحة أو جملة من كتاب حياتي " فسلام عليك أنت و الحائط" .
Commentaires
Enregistrer un commentaire