"احبك.." " و انا ايضا "


عن إسمه و عنوان سكنه  لا تسألوني،  فهو كان أجمل و اعظم أسراري.
 ساحدثكم عنه و في حديثي ستجدون قليلا من التمويه و كثيرا من الصدق. .

كان يكبرني بضعة أعوام و كنت افوقه بضعة تجارب .

كان الأزرق الفاتح لونه المفضل و الكيوي فاكهته المفضلة . 
كان الوردي الفاتح لوني المفضل و التفاح فاكهتي المفضلة.

كانت الأدرينالين و الامفيتامين هرموناته المفضلة اما انا فقد عشقت الاوكسيتوسين و الدوبامين  و لكننا اتفقنا على ان الكورتزول اسوء مادة افرزتها غددنا .

"الحياة لعبة و علي ان افوز مهما تطلب الأمر " كانت هذه فلسفة حياته .
"انا اروع استثماراتي و احتاج دائما أن احسن من نفسي حتى أرضي ضميري" كانت هذه فلسفة حياتي.

كان يهواني يوم السبت و الاحد و يشتاق إلي بقية أيام الأسبوع أما أنا فقد أحببته في كل الفصول و كل الأيام. 

مدة ثلاث سنوات ،كان كل صباح يأخذ جرعته من الشكلاطة و القهوة السوداء التي اعدها له بحب و تفان . نتقاسم الكاس احيانا و يسخر مني لانني مع كل رشفة اقول له انني  أستغرب من الذين يضعون سكرا في قهوتهم  فيقول لي " يجب علينا أن نقاضيهم! إنهم يخلون بالذوق العام و خاصة ذوقك أنت يا روحي! ". فاعطيه جرعة من حبي ، اضمه الى صدري او اداعب شعره او انهال عليه بوابل من القبل ..

كلما خرجنا إختار لي طبقه المفضل لانني أقضي نصف ساعة محتارة ماذا اطلب اما هو فكان وفيا للهمبرغر . 
"انا أحبك اذا انا صاحب ذوق رفيع و اختياري في الاكل سيعجبك حتما " . لم أعراضه، اصلا في وجوده لم احتج كثيرا من الاكل فحبه كان قوتي اليومي و رفقته كانت تغنيني عن اطيب الماكولات .   كنت اتناول حصته من السلطة و الطماطم و الكاتشاب و هو يتناول حصتي من المايونيز و البطاطا . 
أما المثلجات فلم نتقاسمها فالمثلجات بعد الطعام طقس مقدس نمارسه في صمت و نشوة فردية . 

كان قادرا على اضحاكي كما لم يفعل احد قبله و لا بعده .

كان يشبه علاقتنا بقدر من الملوخية : يجب أن تطهو على نار هادئة مع تحريك مستمر و اضافة التوابل كل مرة على حدى حتى نتلذذ كل مرحلة . كلما انشغل عني  كنت ارسل رسالة فيها قليل من العتاب و كثير من الشوق :" أظن أن الملوخية قد احترقت؛ اكاد اشم رائحة النار تأكل القدر ".  فيهبني نفسه بقية اليوم : لا عمل و لا أصدقاء و لا تلفاز و لا العاب فيديو " كلي لك اليوم آنستي! " . 

اتفكر انني احببته قبل أن أراه. 
ليس حمقا و لا سذاجة و لكنه الوحيد الذي خاطب عقلي  قبل أن يداعب جسدي و تمعن في كتاباتي قبل أن يحملق في وجهي .
رآني عندما كنت غير مرئية و فهمني عندما كنت عاجزة عن فهم نفسي. 

كان يناديني " سيدتي الفيلسوفة " .
أتفكر حتى أول حواراتنا  :" كان نقاشنا الاول حول الموضوعية و الا موضوعية و الى أي مدى كانت الذات قابلة للتعريف " . 

كنت اماطله في البداية ، اتجاهله احيانا و اتقرب منه احيانا اخرى . و لما اصر على لقائي رفضت الخروج معه فهددني أنه سيختطفني إن تطلب الأمر.. 

اتفكر ذلك اليوم كأنما كان اليوم : عندما لمحني من بعيد نزل من السيارة،  ليس ليفتح لي الباب بل ليقترب مني و يقول :" أريد ان ارى ابتسامتك الفاتنة الآن في الحقيقة! هيا ابتسمي!!  " فانفجرت ضحكا ، أما أنا حينها غرقت في عينيه العسلية و تلك الشامة فوق حاجبه الايسر اذهبت عقلي .. كفاكم هكذا فأنا لن اصف ملامح وجهه الملائكية اكثر من هكذا لأنه في حضارتنا لا يجوز أن تتغزل امرأة برجل فتقول : شعره في سواد الليل و بشرته أنعم من المخمل و ابتسامته كقنديل يضيء عتمة حياتي... 


كم من مسلسل شاهدنا معا و كم من كتاب قرأنا معا و غصنا فيه بكل جوارحنا.. في واقع الأمر كان يكره الكتب فكنت أنا اقرأ الرواية و هو يشاهد الفيلم ثم نقضي الليلة نتناقش. 

كم من فلم وثائقي التهمنا و كم من شخصية حللنا . و كم تلاعبنا بالكلمات و المصطلحات و كم رسمنا من حلم و خططنا من هدف . حتى أننا ذات ليلة قررنا اننا سنشد رحالنا و نسافر بعيدا عن الناس ؛ هو يأخذ افلامه و انا كتبي و نستقر في جزيرة نائية نعيش بسطاء و سعداء بعيدا عن مديره النرجسي و عن أطنان الدراسة التي لا تزال تلاحقني .

لم تكن لدينا نفس منظومة القيم فكان يحاول ان يقنعني أن استغلال الغير مباح ان كان فيه ربح و كنت احاول ان اقنعه أن مساعدة الغير هو ما يرتقي بالبشرية.. كانت ارائنا متضاربة و مختلفة و لكن المهم أننا اتفقنا على أن نحب و نحترم بعضنا  ..

كنت اردد " ان  الوجود حقيقة مطلقة و لكل منا واقعه _ و الواقع تجربة شخصية و فردية_ ففي لحظات سوف يتطابق كل من واقعينا  فنعيش لحظات من الحقيقة المطلقة. لا نستطيع ان نتقاسم الوجود للابد و لكن في لحظات توازي واقيعنا اثراء لكلينا . " .. كان يصف نظريتي بالهذيان المنطقي  .

كانت البداية جميلة جدا و كان ما لحق أجمل : حب و عتاب و شجارات و حوارات و اعترافات و اعتذارات و ثم كلل و ملل و فراق . ثم عودة و رجوع و حب و خصام و خيانة و  علاقات اخرى و رجل آخر و نساء أخريات ثم ابتعاد ثم استسلام للحب القديم و حوارات اكثر عمقا و علاقة اكثر متانة .. 
"احبك.." " و انا ايضا  "..  نطقت هذه الكلمات في صمت فلم تسمع و لكن شعرنا بها .
كم احببنا بعضنا و كم كرهنا بعضنا . 
حتى الكره مارسناه بشغف فالشغف هو القانون الوحيد في علاقتنا. 
كانت النهاية هي الأجمل. 
كانت متوقعة .

كشخص يموت دون ترك وصية ، اختفى دون ترك كلمة و لكن إختفاءه كان افصح من كل المعاجم. 
لم أذرف دمعة و لم اقم بأي محاولة ، لأن كلانا يعرف الحقيقة و كلانا يتفهم ظروف الآخر. 

مر أكثر من عام.. هو على ما يرام الآن و أنا بخير  . 

اعرف ان القدر لن يجمعنا مجددا و لكن لن أنساه ابدا لأنه ساعدني على رؤية جمال عقلي حينما كان هاجسي الوحيد حجم خصري.

كانت قصتنا سرنا و كان حبنا طفلنا الذي انجبناه في الخفاء و دفناه حيا بعيدا عن اعين الناس .

Commentaires